مأساة الأطباء في الزلزال، كيف صبروا أمام هذا الألم! 

 

“كنّا وما زلنا نواصل عملنا الدؤوب، مبدأنا هو “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً”. لا مكان للعواطف في عملنا حيث الثواني تصنع فرقاً لدينا”. كانت هذه إحدى كلمات الطبيب بكري خلال عمله في استجابة منظمة الأطباء المستقلين لمتضرري الزلزال بالداخل السوري.

يروي لنا الطبيب مختص العظميّة بكري معازّ (45 عاماً)، الذي يعمل مع منظمة الأطباء المستقلين في مدينة إعزاز بمشفى الشهيد د. محمد وسيم معازّ، لحظات الفزع التي عاشها خلال الزلزال ” بعد خروجنا سالمين من منزلنا وسط اهتزاز الأرض من أسفلنا وأصوات الأنقاض والصراخ من حولنا، بدأت الاتصالات من المشفى تدعوني للتوجه إليه حيث بدأ التوافد الكبير للمصابين والعوائل المتضررة ولبيّت النداء على الفور”.

يستذكر الطبيب المأساة الطبيّة التي عاشها خلال اليوم الأول “بدأ قدوم حالات الكسور والهرس، وقفنا مصدومين من العدد الهائل للإصابات الحرجة، لاحظنا قدوم أطفال هم الناجون الوحيدون من عائلاتهم، وآخرون تشتت عائلاتهم في عدة مشافي. بطبيعة الحال كان دوري كأخصائي عظمية هو علاج الحالات الأكثر صعوبة، مثل الكسور أو حالات الهرس. كانت أكثر الحالات شيوعاً هي كسور الأحواض. حاولنا الاستجابة من خلال عملنا الأساسي وهو إسعاف المصابين، وتقديم الخدمات الطبية الضرورية لإنقاذهم”.

يصف لنا د. معازّ أصعب لحظاته عند رؤيته لحالات الهرس كونها الأكثر تعقيداً، منهم من كان يحتاج إلى بتر الأطراف على الفور وأضاف “على الرغم من ذلك، استطعنا إنقاذ ما لدينا من المرضى من خلال الإمكانيات المتوفرة في المشفى. لكن أكثر ما آلمني ولن أستطيع نسيانه هو حالة إحدى الأطفال الذي أُنقذ بعد البقاء تحت الإنقاض ليومين كاملين. كان لديه الكثير من الهرس والكسور بجميع أطرافه. رغم بذلنا قُصارى جهدنا ولكن لقد فات الأوان، نأمل أنه الآن بالجنّة مع بقية أهله”.

إنسان قبل أن يكون طبيب، أم بالعكس؟

يتابع د. بكري “من الناحية الأخرى، كان إبقاء عائلتي في مكان آمن بعيد عني مع قدرة الوصول إليهم بسرعة هو أصعب ما واجهني في هذه الكارثة. في واقع الأمر، مهنتي تحمّلني الكثير من المسؤولية، عليّ وضع عواطفي جانباً لأن الواجب علينا أولاً هو إنقاذ الأرواح”

وصف الوضع المأساوي الذي كان يعيشه داخل المشفى في اليوم الأول قائلاً “تحسبه كأنه يوم المحشر، كل إنسان مسؤول عن نفسه. الناس فقدت عقلها، كأنه القيامة، لكن من زاوية أخرى، أجمل ما عشناه وأثبّت لنا قوة الشعب السوري في هذه الكارثة هو تكاتف الجميع سوياً، بين الأطباء والممرضين وحتى فرق الإنقاذ والتطوع يعملون تحت هدف واحد وهو إنقاذ العالقين تحت الأنقاض”.

وفي نهاية قوله أضاف “ينسى العالم وسط هذه الضغوط أنني إنسان، لديّ مشاعر أنا وأصدقاء مهنتي. أحمل على عاتقي مسؤولية نفسّية كبيرة مع نظرة الناس لنا كالبطل المنقذ. ولكن مما لا شك فيه أن لدينا عوائل وأحباء نخاف عليهم أيضاً. لكن رغم ذلك واجبي المهني والإنساني يدفعني للقيام بمهامي على أتم وجه”. 

لم تنتهي المأساة

 

أتى الزلزال بغتةً ليزيد الحالة السيئة والمتردّية التي يعيشها السوريون في الشمال السوري. أحال الزلزال المدّمر ما بقي صامداً من المباني في الشمال السوري، وعاد أكثر من 900 ألف شخص إلى النزوح. منهم من بات في الخيم أو في السيارات والأسوأ حظاً من بقي في الشوارع بحالة البرد القارص. بوسط عدم استجابة لسيل المناشدات التي أطلقها السكّان والمنظمات، واجه الشمال السوري هذه الكارثة وحيداً. فمنهم من ركزّ جهوده على إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، والآخر سعى لتأمين ما يمكنه لإيواء المنكوبين بعمل جماعي لم يشهده السوريون من قبل.

وبناءً على ذلك، شهد القطاع الصحي النكبة الكبرى؛ الذي كان يعاني من الأساس من النقص الحادّ للإمكانيات وانخفاض الدعم له. رغم ذلك أتى الأطباء ليكونوا همّ الملاك المخلّص لهذه الأوجاع. عملوا بطاقتهم القصوى  وسط أدنى الإمكانيات ليؤدوا ما يقع على عاتقهم.